حلم لم يكتمل ...
خيوطُ شمسٍ رفيعة تتحين الفرص للانسلال داخل الغرفة الصغيرة كلّمَا
حرّكت المِرْوَحة الكهربائية البيضاء سَتائِر النوافذ
المخملية.
صوان خشبي بديع أخذ مكانه بجانب سرير مرتب بعناية ، سجادةٌ متوسطة ُالحجم بَهِيّة الشكل توسطتْ الأرضية، وفي الركن المقابل للنوافذ في الجهة الشرقية طاولة صغيرة لا لون لها بالتحديد،عليها ثلاثة كؤوس بلاستيكية وُضعت فيها ريشات مختلفة الأحجام ، علب صباغة زيتية ممحاة وأقلام رصاص،وبجانبها حاملة الأوراق بقوائمها الثلاثة الرفيعة.
أحمد يسمي ذاك الركن بمرسم أحلامه ومُجسِّد خياله،فكُلُّ وقته الثالث يقضيه بين جنباته.
عادَ بذاكرته المُشوشة لِبِدَاية السنة الدراسية،لمّا كان جالسا في آخر مقعد من الفصل في أوّل حصة دراسية،حِين كان يُراقب بعينين فضوليتين كل الطلاب الملتحقين بالقاعة والذين سَيُصبحون دون شك زملاءه بعد حين ،لكن نظراته تغيرت حين وقعت عيناه عليها،كانت تمشي بخطوات ثابتة وواثقة ،شعرها الأشقر الطويل كان يتماوج على كتفيها كخيوط حرير يتلاعب بها النسيم،و كسائر البنات أخذت مقعدا لها في الصفوف الأمامية،لم يعد بعدها أحمد يكثرت لمن يدخل أو يخرج،فسهام عينيه الحادة كانت تخترق كلّ الصفوف لتصيب صُورَتها الفاتنة،لم ينتبه حتى لدخول الأستاذ ووقوف الطلاب احتراما له حتّى نبّهه أحدهم لذلك،طلب منهم بعدها الأُسْتاذ نبيل الجلوس بعدما كتب اسمه الكامل بقلمه الأسود على السبورة البيضاء.رّحب بهم وطلب منهم التعريف بأنفسهم وذلك بالترتيب انطلاقا من الطالب الجالس أمام مكتبه،لم يتذكر هل قام هو بذلك أم لا،لكنه يتذكر جيدا نبرات صوت فاتنته لما قالت :" اسمي سميرة ،عمري واحد وعشرون سنة " فقد تخيل حينها أنَّها كانت تَرُدُّ على نقطة استفهام صغيرة من بحر فضوله وتساؤلاته اللامتناهي حول شخصها ومن تكون ...؟؟
مَرّت الأيام بعدها وصارت أسابيعا فشهوراً،خلالها عيونه السوداء وحدها من كانت تتكلم وتخاطب عيونا خضراء ما ردّت عليها بالمثل ولو لمرّة،و كان يُصبّر دوما قلبه المعذّب بكونِ حياء سميرته عائق كبير أمام تخاطبٍ لم يُكتب له أن يَتمْ.
غالبته دمعة خجولة ترددت كثيرا قبل أن تبرح محجره وتنساب على وجهه الاصفر الشاحب،هذا لمّا تذكّر بمرارة يوم دخول كل الطلاب للفصل وبقاء مقعدها هي شاغرا، تكررّ بعدها المشهد نفسه لأسبوع كامل،أسبوع مرّ على أحمد كدهر طويل من المعاناة والعذاب،فعيناه اعتادتا رؤية ملاكه كلّ يوم،وحركاتها أمامه صارت نبضا لقلبه المتيم الولهان.
فخلال الشهور الفارطة كان يُرغِم ذاكرته كلمّا رأى حبيبته على نسخ جزء من وجهها الوضاء ويختزنه جيدا حتّى يعود لِمَرسَمِه ويحمل ريشته الرقيقة ليجسد ذاك الجزء المنسوخ على لوحته بكل دقة و إتقانْ ،ولحد اللحظة لا ينقصه سوى الذقن و الفم لتكتمل كل أجزاء القمر الفتانْ.
وها هو الآن جالس في ركن غرفته الدافئة ،بمقابل لوحته، هائم في تقاسيم وجهها الوضّاحْ ،بحواجبه الرقيقة الخفيفة و مقلتيه البراقتين كالزمردتين و شعر أشقر طويل منسدل بحرية على محيّا مشرق كشمس الصباح الساطعة.
قشعريرة لم يعتدها أبدا من قبل سرت في سائر جسده ، صاحبها رجفان شديد حينما تذكَّر أحداث هذا اليوم،فقد صدمه الحارس العام للمعهد لمّا أخبرهم بانقطاع الطالبة سميرة عن الدراسة،وبكون ولي أمرها قابله قبل قليل ليعلمه بالأمر مُبررا ذلك بحدث خطبة ابنته التي تمت قبل اسبوع واتفاقها مع خطيبها بمغادرة الدراسة والتفرغ لشؤون البيت مستقبلا،خبر لم يستوعب فحواه إلا بعد مرور دقائق عديدة،وليعود بعدها من المعهد شبه مُخَدَّر،لينزوي في هذا الركن،و ليصارح حبيبته ويُعبِّر لها عن مدى حبّه لها وغرقه في بحر عشقها.
للمرّة الأولى في حياته تجرأ أحمد وتشجع وباح ما أثقل قلبه من أحاسيس دفينة ظلّت مقبورة بين طيات الكتمان،لكنها للأسف لم ولن تُجيبه، فسالبة لبّه غادرت مجال رؤيته بلا رجعة، وتقاسيم وجهها ما اكتملت على وجه اللوحة إذْ ينقصها المبسم واللسان،فقد رحلت الحبيبة وبقيت الريشة عاجزة عن إتمام ما تبقى لها من ألوان ، وبقي أحمد المسكين متحسرا يعض لسانه الأخرس الذي خانه و قتل روحه قبل الأوان
منقوول
صوان خشبي بديع أخذ مكانه بجانب سرير مرتب بعناية ، سجادةٌ متوسطة ُالحجم بَهِيّة الشكل توسطتْ الأرضية، وفي الركن المقابل للنوافذ في الجهة الشرقية طاولة صغيرة لا لون لها بالتحديد،عليها ثلاثة كؤوس بلاستيكية وُضعت فيها ريشات مختلفة الأحجام ، علب صباغة زيتية ممحاة وأقلام رصاص،وبجانبها حاملة الأوراق بقوائمها الثلاثة الرفيعة.
أحمد يسمي ذاك الركن بمرسم أحلامه ومُجسِّد خياله،فكُلُّ وقته الثالث يقضيه بين جنباته.
عادَ بذاكرته المُشوشة لِبِدَاية السنة الدراسية،لمّا كان جالسا في آخر مقعد من الفصل في أوّل حصة دراسية،حِين كان يُراقب بعينين فضوليتين كل الطلاب الملتحقين بالقاعة والذين سَيُصبحون دون شك زملاءه بعد حين ،لكن نظراته تغيرت حين وقعت عيناه عليها،كانت تمشي بخطوات ثابتة وواثقة ،شعرها الأشقر الطويل كان يتماوج على كتفيها كخيوط حرير يتلاعب بها النسيم،و كسائر البنات أخذت مقعدا لها في الصفوف الأمامية،لم يعد بعدها أحمد يكثرت لمن يدخل أو يخرج،فسهام عينيه الحادة كانت تخترق كلّ الصفوف لتصيب صُورَتها الفاتنة،لم ينتبه حتى لدخول الأستاذ ووقوف الطلاب احتراما له حتّى نبّهه أحدهم لذلك،طلب منهم بعدها الأُسْتاذ نبيل الجلوس بعدما كتب اسمه الكامل بقلمه الأسود على السبورة البيضاء.رّحب بهم وطلب منهم التعريف بأنفسهم وذلك بالترتيب انطلاقا من الطالب الجالس أمام مكتبه،لم يتذكر هل قام هو بذلك أم لا،لكنه يتذكر جيدا نبرات صوت فاتنته لما قالت :" اسمي سميرة ،عمري واحد وعشرون سنة " فقد تخيل حينها أنَّها كانت تَرُدُّ على نقطة استفهام صغيرة من بحر فضوله وتساؤلاته اللامتناهي حول شخصها ومن تكون ...؟؟
مَرّت الأيام بعدها وصارت أسابيعا فشهوراً،خلالها عيونه السوداء وحدها من كانت تتكلم وتخاطب عيونا خضراء ما ردّت عليها بالمثل ولو لمرّة،و كان يُصبّر دوما قلبه المعذّب بكونِ حياء سميرته عائق كبير أمام تخاطبٍ لم يُكتب له أن يَتمْ.
غالبته دمعة خجولة ترددت كثيرا قبل أن تبرح محجره وتنساب على وجهه الاصفر الشاحب،هذا لمّا تذكّر بمرارة يوم دخول كل الطلاب للفصل وبقاء مقعدها هي شاغرا، تكررّ بعدها المشهد نفسه لأسبوع كامل،أسبوع مرّ على أحمد كدهر طويل من المعاناة والعذاب،فعيناه اعتادتا رؤية ملاكه كلّ يوم،وحركاتها أمامه صارت نبضا لقلبه المتيم الولهان.
فخلال الشهور الفارطة كان يُرغِم ذاكرته كلمّا رأى حبيبته على نسخ جزء من وجهها الوضاء ويختزنه جيدا حتّى يعود لِمَرسَمِه ويحمل ريشته الرقيقة ليجسد ذاك الجزء المنسوخ على لوحته بكل دقة و إتقانْ ،ولحد اللحظة لا ينقصه سوى الذقن و الفم لتكتمل كل أجزاء القمر الفتانْ.
وها هو الآن جالس في ركن غرفته الدافئة ،بمقابل لوحته، هائم في تقاسيم وجهها الوضّاحْ ،بحواجبه الرقيقة الخفيفة و مقلتيه البراقتين كالزمردتين و شعر أشقر طويل منسدل بحرية على محيّا مشرق كشمس الصباح الساطعة.
قشعريرة لم يعتدها أبدا من قبل سرت في سائر جسده ، صاحبها رجفان شديد حينما تذكَّر أحداث هذا اليوم،فقد صدمه الحارس العام للمعهد لمّا أخبرهم بانقطاع الطالبة سميرة عن الدراسة،وبكون ولي أمرها قابله قبل قليل ليعلمه بالأمر مُبررا ذلك بحدث خطبة ابنته التي تمت قبل اسبوع واتفاقها مع خطيبها بمغادرة الدراسة والتفرغ لشؤون البيت مستقبلا،خبر لم يستوعب فحواه إلا بعد مرور دقائق عديدة،وليعود بعدها من المعهد شبه مُخَدَّر،لينزوي في هذا الركن،و ليصارح حبيبته ويُعبِّر لها عن مدى حبّه لها وغرقه في بحر عشقها.
للمرّة الأولى في حياته تجرأ أحمد وتشجع وباح ما أثقل قلبه من أحاسيس دفينة ظلّت مقبورة بين طيات الكتمان،لكنها للأسف لم ولن تُجيبه، فسالبة لبّه غادرت مجال رؤيته بلا رجعة، وتقاسيم وجهها ما اكتملت على وجه اللوحة إذْ ينقصها المبسم واللسان،فقد رحلت الحبيبة وبقيت الريشة عاجزة عن إتمام ما تبقى لها من ألوان ، وبقي أحمد المسكين متحسرا يعض لسانه الأخرس الذي خانه و قتل روحه قبل الأوان
منقوول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
استرخي